خلال ندوة برام الله بمشاركة وزراء وممثلين عن القطاع الخاص — البطالة تحدٍ كبير يواجه المجتمع الفلسطيني، والجامعات في قفص الاتها
 
 
خلال ندوة برام الله بمشاركة وزراء وممثلين عن القطاع الخاص — البطالة تحدٍ كبير يواجه المجتمع الفلسطيني، والجامعات في قفص الاتها
 
 

الأيام 16-1-2013-21

خلال ندوة برام الله بمشاركة وزراء وممثلين عن القطاع الخاص

البطالة تحدٍ كبير يواجه المجتمع الفلسطيني، والجامعات في قفص الاتها

 

كتب جعفر صدقة:
حُشِرَتْ الجامعات في قفص الاتهام، خلال ندوة حول البطالة وبرامج التشغيل نظمتها شركة “اوغاريت” برام الله، بالتعاون مع شركة “باديكو القابضة” وصندوق الاستثمار الفلسطيني، امس، بحضور ثلاثة وزراء، ورجال اعمال وممثلين عن شركات ومراكز ابحاث، وشهدت اجماعا على ان التعليم، وخصوصا التعليم العالي، يشهد حالة تراجع كبيرة في وقت تشهد فيه سوق العمل، المحلية والاقليمية والدولية، تطورات وتغييرات كبيرة ومتسارعة.
الندوة، التي ادارها مستشار الرئيس لشؤون الاتصالات والتكنولوجيا د. صبري صيدم واضعا جملة من الاسئلة الصعبة امام المتحدثين ابرزها: هل المرحلة الجامعية فترة للتعليم ام لتأجيل الالتحاق بركب البطالة، استهلت باستعراض لمؤشرات سوق العمل قدمه د. سمير عبد الله، مدير عام معهد ابحاث السياسات الاقتصادية “ماس”، الذي اعتبر ان “البطالة تشكل التحدي الاكبر امام المجتمع الفلسطيني، في ظل اجواء سياسية صعبة، ومناخ استثماري هو الاسوأ”، لافتا الى ان معدل البطالة في الاراضي الفلسطينية وصل في الربع الثالث من العام 2012 الى 5ر29%، اذ يبلغ عدد العاطلين عن العمل 271 الف شخص من اجمالي 116ر1 مليون شخص حجم قوى العمل المشاركة.
وبالنظر لخصائص العاطلين عن العمل (العمر، والجنس، ومستوى التعليم)، فان البطالة بين الشباب (الفئة العمرية من 14 سنة – 34 سنة)، فان معدل البطالة يتجاوز 52%، وبحسب جواد صالح، من الجهاز المركزي للاحصاء، فان البطالة بين خريجي المعاهد والجامعات تصل الى 32%، مع الاخذ بالاعتبار التباين بين التخصصات، اذ ان اقل معدل بطالة هو بين خريجي القانون، فيما تبلغ بين خريجي الهندسة 11ر10%، وترتفع بين خريجي التكنولوجيا الى 30%.
وقال عبد الله ان حل مشكلة البطالة يتطلب استثمارات تبلغ حوالي 5ر5 مليار دولار، “وهو مبلغ لا يتوفر منه شيء، الامر الذي يفرض التفكير بآليات خلاقة”.
احد ابرز الاسباب وراء تكدس العاطلين عن العمل، باجماع كل المتحدثين في الندوة، الفجوة الكبيرة بين مخرجات التعليم في فلسطين من جهة، ومتطلبات سوق العمل من جهة اخرى، ما اضعف منافسة خريجي الجامعات الفلسطينية، حتى في سوق العمل المحلية، فيما بات هؤلاء الخريجون في ادنى سلم المنافسة في دول الخليج، التي تشكل احدى الاسواق التقليدية للعمالة الفلسطينية.
وقال وزير العمل د. احمد مجدلاني ان الفجوة بين التعليم ومتطلبات سوق العمل تتسع سنة بعد سنة، فجودة التعليم تدنت، وهناك آلاف الخريجين في تخصصات لا حاجة لهم في اسواق العمل، فيما التعليم المهني والتقني يعاني من الاهمال والتجاهل، متسائلا “هل يعقل ان خريج جامعة كتابته مليئة بالاخطاء الاملائية والنحوية، او يخطئ في كتابة اسمه باللغة الانجليزية؟”.
د. غسان الخطيب، نائب رئيس جامعة بيرزيت للشؤون الاكاديمية، اقر بوجود مشكلة في مستوى التعليم، لكنه قال ان التخصصات التي تطرحها الجامعات محكومة بالعرض والطلب من قبل الملتحقين بالجامعة، مشيرا الى استحداث الجامعة عدة برامج تدريبية للخريجين لزيادة فرصهم في سوق العمل.
وقال: المؤشرات الاحصائية، تظهر ان البطالة بين الشباب مرتفعة، كما انها مرتفعة بين الحاصلين على درجات علمية معينة، كما انها تتباين بين منطقة جغرافية واخرى، وبالتالي، فان السياسات والمبادرات يجب ان تبنى على هذه المعطيات”.
وفي المحصلة، اتفق الخطيب ومجدلاني على ان الحد من مشكلة البطالة يتطلب مواءمة اكبر بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، والتركيز على التعليم المهني والتقني، وكذلك على المبادرات ذات العلاقة بالمشاريع الصغيرة من حيث الاقراض والتمويل، والتمييز الايجابي لبعض المناطق في مشاريع البنى التحتية وجذب الاستثمارات.
بدوره، لفت الرئيس التنفيذي لـ”باديكو القابضة” سمير حليلة، الى سرعة التغيير في الاقتصاد واسواق العمل الدولية، “وهي اعلى بكثير مما كانت عليه قبل 10 سنوات، لدرجة اصبح من الصعب على مؤسسات التعليم مواكبته، فحتى لو تخرج الطالب بأفضل مستوى، فلن يستطيع مواكبة التغيرات المتلاحقة والمتسارعة دون تزويده بأدوات التعلم الذاتي”.
محليا، قال حليلة ان الاقتصاد الفلسطيني شهد في السنوات الاخيرة تغيرات كبيرة، فعلى سبيل المثال، انخفضت مساهمة القطاع الزراعي من 27% الى 5% حاليا، كما تراجعت مساهمة قطاع الصناعة من 18% الى 12%، في حين ارتفعت مساهمة قطاع الخدمات من 20% الى 68%.
واضاف: التغيرات المتسارعة في المعرفة والاقتصاد باتت تتطلب تغيير التخصصات الاكاديمية ومناهج التعليم كل خمس سنوات.
وقال: لو ان اسرائيل سمحت بوصول العمالة الفلسطينية في اقتصادها الى 160 الف عامل بدلا من نحو 50 الفا حاليا، فانها لن تجد عمالا فلسطينيين، لان معظم العاطلين عن العمل هم من المتعلمين، وهؤلاء ليس لديهم عمل في اسرائيل”.
واعتبر حليلة ان على السلطة قيادة الجهود الهادفة الى ردم الهوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، لافتا الى دراسة اعدت مؤخرا بدعم من “باديكو”، اظهرت ان عدد طلاب الجامعات في محافظة اريحا يبلغ حوالي 3 آلاف طالب وطالبة، “لا يوجد بينهم طالب واحد في تخصص يتعلق بالزراعة او السياحة”، وهما قطاعان يقوم عليهما اقتصاد المحافظة.
لكن حليلة قلل من قتامة الصورة في سوق العمل، موضحا ان الاقتصاد المحلي، في الضفة وغزة يستوعب نحو 30 الف عامل جديد سنويا، غالبية هذه الفرص يوفرها القطاع الخاص، “لكن هذا الواقع قد يتبدل وتضطر الشركات الى الاسغناء عن موظفين هذا العام، ما لم توضع السياسات المناسبة، على الاقل للحفاظ على المستوى الحالي من التشغيل، والاهم الذي يمكن عمله في هذا المجال هو تقليص العجز في ميزانية السلطة”.
وقال: 28% من انتاج الاقتصاد يذهب للانفاق على الادارة الحكومية، مقارنة مع 18% معدل الانفاق على الحكومة في الدول الاخرى، في وقت تغيب فيه السياسة الموجهة للاستثمار.
من جهتها، قالت رولا سرحان، من صندوق الاستثمار الفلسطيني، ان الصندوق يدرك حجم المشكلة الناتجة عن الفجوة بين التعليم واحتياجات سوق العمل، ما دفعه لاستحداث برنامج في عدد من الجامعات بعنوان “مشروع يبدأ بفكرة”، يستهدف خلق فرص عمل للخريجين بتأسيس مشاريع خاصة بهم وليس كأجراء، يشمل تدريبا لفترة معينة تنتهي بصرف مكافأة مالية للخريج يمكنه من البدء بمشروعه الخاص.
وقالت: البرنامج استهدف نحو 250 خريجا من مختلف الجامعات. نحن الآن في مرحلة التدريب، وبنهاية الفصل الحالي سيتم اعلان الفائزين وصرف المكافآت المالية لهم ليبدؤوا مشاريعهم.
الجرباوي: كل اشكال التدخل لن تحل المشكلة محليا
وكانت المداخلة الابرز خلال الندوة لوزير التعليم العالي، د. علي الجرباوي، الذي قال ان هناك ازمة بنيوية مزمنة، “وستبقى هذه الازمة طالما بقينا نعالج الامر بنفس الطريقة”.
وقال ان ازمة التعليم لا تتحملها الجامعات وحدها، “فهناك ثقافة في المجتمع يجب ان تتغير، فبعد ان كان يعشق التعليم في العقود الماضية، بات الآن يعشق الشهادات، ولا يريد تعليما مهنيا، وهو (المجتمع) يضغط لخفض معايير التعليم بدلا من الضغط لرفعها، فالكل يريد شهادة بغض النظر عن التخصص”.
كذلك، قال الجرباوي ان السوق المحلية ستبقى صغيرة ومحدودة مهما بلغ حجم التدخلات او شكلها، حيث ان المشغل الاكبر هو الحكومة، في حين ان اكبر مشغل في القطاع الخاص لا يتجاوز عدد موظفيه 2000 موظف، واكبر مصنع يبلغ عدد العمال لديه 300 – 400 شخص.
واضاف: في ظل هذا الواقع في سوق العمل المحلية، هناك 49 مؤسسة تعليم عالٍ، و218 الف طالب على مقاعد الدراسة، و26 – 30 الف خريج سنويا، فمن غير الوارد استيعابهم مهما بلغ حجم التدخلات او شكلها.
ولهذا، قال الجرباوي، فان حصر البحث عن برامج وآليات وتدخلات للتشغيل في السوق المحلية لن يحل المشكلة، فيما الاتجاه الى اسواق العمل الاخرى يحتاج الى تعليم نوعي.
واضاف: “للاسف، كل مكونات المجتمع تتحدث عن التعليم وضرورة رفع جودته، لكن لا احد يريد ان يضخ اموالا لتحقيق هذا الهدف. الحكومة خصصت 11 مليون دولار للجامعات سنويا، لكننا لم ندفع سوى نصف هذا المبلغ خلال العام 2012″.
وردا على ما يقال ان الجزء الاكبر من ميزانية السلطة يصرف على الامن، قال الجرباوي: “المشكلة ان سياسة الحكومة ليست مفاضلة بين الامن والصحة والتعليم وغيرها من القطاعات، وانما سياسة رواتب”.
وتابع: جميعنا نتطلع الى ما نريده من التعليم العالي، لكن لا احد يلتفت الى متطلبات هذا التعليم. التعليم العالي مكلف وبحاجة الى موارد”.
انتقادات للقطاع الخاص
وخلال الندوة، وجهت انتقادات للقطاع الخاص، لاهماله قطاع التعليم، سواء من حيث الاستثمار فيه، او من حيث دعم مراكز البحث العلمي والتطوير، ولفت احد المتداخلين الى ان التغيير المتسارع الذي يجتاح العالم، خصوصا في قطاع التكنولوجيا، تقوده مراكز بحث علمي تابعة او ممولة من شركات خاصة، في حين ان انفاق القطاع الخاص الفلسطيني في هذا المجال يكاد يقترب من الصفر.

 
 

أضف تعليقك