“السرقات الصحفية في فلسطين.. مهنة بلا اخلاق”
 
 
“السرقات الصحفية في فلسطين.. مهنة بلا اخلاق”
 
 




بيت لحم - تقرير معا - ازدادت في الفترة الاخيرة التذمرات بين اوساط الكتاب والصحافيين من السرقات الصحفية عبر وسائل الاعلام المتمثلة في المقالات والتقارير أو التحقيقات الصحفية، ويدور الحديث عن بعض الصحفيين سواء التابعين لمؤسسة اعلامية مرخصة أو الذين يعملون بشكل مستقل، ويسرقون مادة صحفية نشرت بوسيلة اعلامية ويعيدون نشرها في جهة اعلامية اخرى وينسبونها لهم دون الاشارة لمصدرها الاصلي.

 

هذا الامر دفع نقابة الصحفيين مؤخرا الى تشكيل لجنة متخصصة تعنى في هذا الموضوع سميت “لجنة اخلاقيات المهنة”.



 

وكالة معا حاولت تسليط الضوء على هذه القضية عبر عدة مقابلات اجريت مع وكالات ومواقع اعلامية تحدثت عن تجربتها في هذا السياق، إضافة إلى آخذ أراء مختصين وخبراء بهذا الشأن.

توصلت معا مع نقابة الصحافيين التي أكدت أنها تتعامل مع هذه القضية من خلال لجنة اخلاقيات المهنة لمتابعة حيثيات موضوع السرقات الصحفية، ورآى الباحث في الشؤون القانونية الاعلامية ماجد العاروري أن القضية ليست اخلاقية فحسب بل هي قانونية بالدرجة الاولى، ويمكن ملاحقة المعتدين على الملكية الفكرية قضائياً ومطالبتهم بتعويضات مالية.

 

 

لجنة اخلاقيات المهنة في نقابة الصحافيين

تعمل نقابة الصحافيين الفلسطينيين على رفع المستوى المهني للصحفيين والالتزام بمبادئ اداب المهنة واخلاقياتها، اضافة الى الدفاع عن الصحافيين ووسائل الاعلام التي تتعرض لانتهاكات وتقييدات تمس الحريات والحقوق، وكشف الحقائق وكل ما يتصل بممارسة المهنة، وفقا لاهداف النقابة الرسمية التي تعمل بها.

ولكن من الذي يتابع انتهاك الصحفي للصحفي وما هي الاجراءات التي تتبعها النقابة في لجنة اخلاقيات المهنة في قضية سرقة المواد الصحفية؟

 

 

في هذا الصدد، أوضح رئيس لجنة اخلاقيات المهنة في نقابة الصحافيين حسام حمدان لـ معا أن اللجنة تحاول قدر الامكان التوصل لتحديد -على الاقل- الملامح الاخلاقية التي تخدم وسيلة الاعلام وعمل الصحفي، لافتا الى حق الصحفي الإشارة الى اسمه في المادة الصحفية التي اعدها.



 

 

وأضاف “حسب ما هو معروف أن اية مادة اعلامية من اجل ان تحظى بثقة المتلقي يجب ان يذكر فيها اسم صاحبها، ولكن في بعض الوكالات الاعلاميه لا تستخدم هذه السياسة او من الممكن ان تضع الحروف الاولى، وفي كثير من المواقع الاخباريه تتجاهل الموضوع.”



 

 

وبدأت المؤسسات الرسمية بالتوجه للجنة اخلاقيات المهنة في التحقق من المواد الاعلامية التي تملكها او التي نشرت عنها اذا ما كانت مهنية ام لا، حسب قول حمدان.



 

 

“يجب تفعيل قانون الملكية الفكرية ومحاسبة السرقات الصحفية، فالغاية من تنظيم هذه اللجنة هي الوصول الى قاعدة كبيرة ومختصة اكثر تستخدم في المحاكم لخدمة المواطن في حال اشتكى السرقات الصحفية”، يضيف حمدان.



 

 

وتابع أن المشتكي يتقدم الى لجنة الاخلاقيات في شكوى عن السرقة واذا تم اثباتها بعد تجميع كافة الادلة، يتم اصدار رسالة من النقابة يستخدمها المحامي كدليل للمحكمة في حال توجه المشتكي لرفع قضية.



 

وختم حديثه: “الثقافة التي نسعى لإيجادها في المجتمع هي ان نلتزم على الاقل بادنى اخلاق مستويات العمل الاعلامي، ضمن التحقيق في المعلومة وذكر المصدر”.

 

 

 

السرقة الحرفية واعادة الصياغة



 

 

وقال المحرر السياسي في وكالة معا الاخبارية ناصر عطية ” نجد صعوبة في اكتشاف السرقات الادبية في المقالات التي تصلنا، وخصوصا حين يعتمد الكاتب في سرقته الادبية صياغة جديدة ويبذل جهدا في تجميعها واعادة كتابتها ضمن اطار نفس الفكرة، وفي اعتقادي هذا اصعب نوع من انواع السرقات؛ لاننا نجد صعوبة في اكتشافها ونسبها لصاحبها الاصلي”.



 

 

وعن السرقات الصحفية، يقول عطية، إنها ليست مسؤولية صاحب النشر، إذ لا يمكن أن يلم مسؤول نشر المقالات بكافة الكتاب والنشرات التي تصدر عنهم إن كان محليا او عالميا، لذلك يكتشف القارىء هذه السرقات بعد النشر لأن القراء كثر والناشر واحد”.



 

 

واستطرد بالقول: “عند الشك في اي مقال استعين بموقع “جوجل” للتحقق ما اذا كان قد نشر هذا المقال من قبل ام لا، ويوجد طريقة اخرى للكشف عن السرقات الادبية هي ان هذا الكاتب اعتدنا ان ينشر في وكالتنا تقارير بسيطة ومعروفة وفجأة يرسل لنا مقالا قويا وذا مستوى عال ما يثير شكوكي في مصدر المقال وابدأ بالبحث عنها، يقول عطية.



 

 

وبالحديث عن الاجراءات التي يتم متابعتها مع السارق للمقال، أوضح عطية: “عندما كان يحصل معنا هذا الامر كنا نرسل تنويها الى الكاتب ونتخذ سياسة عدم النشر له لاحقا في وكالتنا الاعلامية”.



 

 

واشار عطية لوجود بعض الصحف التي تنقل الاخبار والتقارير الخاصة بوكالة معا دون ذكر الوكالة كمصدر للخبر.



 

 

“كنا نتعمد وضع كلمات خارج سياق الموضوع ومن بعد نشرها في وكالتنا نجدها بالنص الحرفي المطلق عند بعض الصحف، ما اود قوله اننا في فلسطين لا نلتزم في قانون الملكية الفكريه والمصدر الخاص بالخبر او المعلومة، اصبحت معظم الصحف والوكالات الاعلامية تتناقل الاخبار فيما بينها دون نشر المصدر، مما يزعزع من ثقة المتلقي حول بعض وسائل الاعلام المحلية، ويثير الاسئلة حول مصداقيتها”، يقول عطية.



 

 

غياب القوانين الرادعة



 

وفي حديث مع رئيس تحرير وكالة سوا الاخبارية من غزة، حكمت يوسف، اشار الى أن سرقة المواد الصحفية هو موضوع شائك وبحاجة الى حل من الجذور، الانقسام وغياب الجسم الصحفي الواحد وغياب القوانين الرادعة لانتهاك للملكية الفكرية أثر على ملاحقة سارقي التقارير الخاصة، هذا الموضوع بحاجة الى تنمية اخلاقيات المهنة لدى الصحافيين خاصة الجدد منهم على الساحة الاعلامية والذي لا يملك معلومات كافية حول مخاطر نقل وسرقة المواد الصحفية دون الاشارة للمصدر.

 

 

وحول آلية النشر لديهم، قال إن التقارير التي تنشر في موقع “سوا” هي دائما من اعداد فريق التحرير الخاص بالوكالة، ولكن اذا وصل الوكالة تقارير خارجية يتم نشرها باسم صاحبها بناء على أنه شخصية معروفة وموثوقة وتتعامل معها الوكالة بشكل مستمر، الاخبار التي تصلنا من المؤسسات نتواصل مع المؤسسة ذاتها لكي نتأكد من صحة الخبر ونعتمد متحدثا واحدا باسم المؤسسة يرسل لنا الاخبار ونعتمد نشرها بناء على توصية من المؤسسة، يقول يوسف.



 

 

وبالحديث عن الاجراءات المتبعة في حال تبين سرقة لمادة صحفية بعد نشرها على موقع الوكالة، قال يوسف انه يتم تقديم الاعتذار الرسمي باعادة نشر المادة الصحفية في صدر الموقع الاخباري باسم صاحبها الاصلي ويتم التنويه من باب تعزيز اخلاقيات المهنة والعمل الصحفي ومصداقية الوكالة الاخبارية نفسها.

 

 

وفيما يتعلق بكيفية حصولهم على اخبار الضفة الغربية نوه يوسف الى انه لا يوجد مراسلين صحفيين لموقع وكالة سوا في الضفة الغربية ولكن يتم التعامل مع الاذاعات الرئيسية المعروفة ومحطات التلفزة المحلية لنقل الخبر مع الاشارة الى المصدر.



 

 

 

قانونيا



 

وفي الحديث مع الباحث في الشؤون القانونية الاعلامية ماجد العاروري اوضح أن قانون حقوق الطبع والتأليف لسنة 1924 النافذ حتى الان في الأرض الفلسطينية يحمي حقوق المؤلف، ولا يتيح الا الاستخدام الجزئي المعتدل للمادة المنشورة، لإغراض محددة على أن لا يكون هذا النشر بقصد التجارة.

 

 

“الملكية الفكرية للمؤلف في الابحاث تكون لصالح المؤسسة حين يكون المؤلف مستخدماً أو متدرباً لديها دون أن يمس ذلك بالحق المعنوي للمؤلف بنشر اسمه، لكن دون منحه حق التصرف في المؤلف، اما الكتابة والمقالات المعدة للنشر في الصحف والمجلات والنشرات الدورية فهي ملك لكاتبها وليس للمؤسسة ولكن يمكن في كلتا الحالتين إضافة شرط تعاقدي ينص على عكس ذلك “، يقول عاروري.



 

 

وتابع، أن هذا يعني أولاً وجوب نشر اسم الكاتب على المادة المنشورة من قبله في وسائل الإعلام حفاظاً على ملكيته الفكرية، فاقدام وسيلة الاعلام على النشر دون نسب المادة الصحفية آلية تهدد ملكيته الفكرية التي كفلها القانون من الضياع”.



 

 

 

متى يلاحق الصحفي قانونياً؟ ومتى تعفي المحكمة المعتدي؟



 

 

وفي حالة اعادة وسيلة اعلامية نشر خبر صدر عن وكالة اعلامية اخرى دون الاشارة للمصدر، يقول العاروري :” لا يجوز لأي وسيلة اعلام اعادة نشر ما نشر في وسيلة اعلام دون موافقة شخصية من صاحبها بصفته مالكاً للتأليف، فقد يكون الصحفي متعاقد مع أكثر من وسيلة اعلام لنشر مقالته أو مادته الصحفية على التتابع، وليس من حق اي وسيلة اعلام نسخ كتابته دون موافقته كي لا يلحق ضرراً مادياً به من النشر دون موافقته.”



 

 

واضاف “في حال انتهكت الملكية الفكرية، يحق للشخص أو الجهة التي انتهك حقها اللجوء الى القضاء ضد المعتدي، لكن يمكن للمحكمة أن تعفي المعتدي من المسؤولية اذا اثبت بدفاعه عدم علمه بوجود حق المؤلف”.



 

 

وتابع العاروري، أنه من المفضل أن تكون الخطوة الاولى التي تتخذها أي وسيلة اعلامية أو شخص انتهكت حقوقه هو استصدار أمر تحذيري قبل اقدامه من طلب تعويض عن الضرر، كي لا يتحجج الناشر بان ليس لديه علم بحقوق المؤلف”. مشيراً الى أن استخدام شخص لمعلومات محمية لاغراض شخصية وبحثية تختلف عن استخدامه هذه المعلومات لغايات تجارية، ففي الحالة الثانية يصبح باب التعويض مفتوحا عند استخدام هذه المعلومات”.



 

 

السرقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي



 

 

واوضح العاروري أن الامر يختلف فيما يتعلق بمواقع التواصل الاجتماعي بين مشاركة الخبر واعادة نسخه، وأن بعض وسائل الاعلام لا تميز بين مشاركة الخبر المنشور على وسائل الاعلام الاجتماعي وبين اعادة النسخ، ففي الحالة الاولى تمثل المشاركة عملاً مشروعاً، كون أن الجهة الناشرة أصلاً على مواقع التواصل الاجتماعي وافقت ضمنيا على السماح للاخرين بمشاركتها ما تنشره، أما في الحالة الثانية اعادة النسخ والنشر فهي تخضع لقوانين الملكية الفكرية وقد يكون في اعادة نشرها مخالفة قانونية.



 

 

واردف، أن مشاركة وسيلة اعلامية على صفحتها الخاصة على مواقع التواصل لتقرير متلفز بثته احدى محطات التلفزه الفرنسي على موقعه على الفيس بوك على سبيل المثال، لا تعني الموافقة على اعادة نسخ هذه المادة ونشرها على الموقع الخاص لها وكأنه نشر أصيل لها، فقد يشكل ذلك جريمة اعتداء على حق المؤلف، ويعرض فاعله للملاحقة القضائية.



 

 

وأشار العاروري الى أن القانون لا يعتبر الخطب السياسية التي تجري في مكان عام حقاً محمياً لمؤلفها، والامر ذاته ينطبق على المحاضرات الثقافية والاجتماعية التي تجري في قاعات عامة ما لم يقم المحاضر بوضع اعلان على باب القاعة التي سيلقي محاضرته فيها وبشكل مسبق يمنع فيه نشر ما سيرد في محاضرته.

 

 

يذكر أن حقوق المؤلف في فلسطين منظمة بموجب قانون حقوق الطبع والتأليف لسنة 1924 والمبني اصلا على القانون العثماني لسنة 1911، وهو قانون ينظم حقوق المؤلف عند النشر سواء بكتب او صحف أو اسطوانات او غير ذلك من وسائل النشر.



 

ويشار إلى أن هذا التقرير تم اعداده من قبل الزميلة الصحفية حياة حمدان بعد المشاركة في دورة “تعزيز القدرات المهنية للاعلام الفلسطيني المستقل” التي عقدتها شبكة معا الاعلامية بالتعاون مع مركز تطوير الاعلام في جامعة بيرزيت.

 
 

أضف تعليقك