الأيام 8-8-2012-25
فياض يوضح تفاصيل وخلفيات التفاهمات مع إسرائيل بشأن المقاصة
هدفها ضمان استعادة الضرائب الضائعة، وليس لها أية أبعاد سياسية
كتب جعفر صدقة:
اكد رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض ان التفاهمات الاخيرة التي توصلت اليها السلطة الوطنية مع اسرائيل بشأن المقاصة، هدفها الحد من تسرب الضرائب التي يدفعها المواطن الفلسطيني الى الخزينة الاسرائيلية، وضمان تحصيلها لصالح الخزينة الفلسطينية، مشددا على ان هذه التفاهمات ليس لها اية ابعاد سياسية ولا تصب باتجاه ما يسمى بالسلام الاقتصادي.
واوضح فياض، في لقاء مطول مع مجموعة من الكتاب والصحافيين في مكتبه برام الله الليلة قبل الماضية، ان هذه التفاهمات جاءت حصيلة “جهد مثابر” على مدى سنوات.
وقال: هذا التفاهم حصيلة جهد طويل جدا تكثف على مدار العام الماضي، عنوانه الاساسي منع تسرب الضريبة التي يدفعها الشعب الفلسطيني الى خزينة اسرائيل، فمنذ اليوم الاول لبدء تطبيق اتفاقية باريس الاقتصادية، هناك ضرائب تضيع على الخزينة الفلسطينية، وهي مدفوعة من قبل المواطن الفلسطيني . الاساس في هذه التفاهمات هو ضمان ان ما يدفع من قبل دافع الضرائب الفلسطيني يصب في الخزينة الفلسطينية.
واضاف: بعد تمنع وسنوات طويلة من انكار الموضوع وعدم الرغبة في الحديث فيه اطلاقا من قبل اسرائيل، وبجهد مثابر، هادئ احيانا وصاخب احيانا اخرى، وحشد دعم دولي، وافق الاسرائيليون منذ حوالي عام على بحث الأمر في اطار طواقم فنية من الجانبين، وبالفعل تم تعيين طاقم من وزارة المالية الفلسطينية وآخر من وزارة المالية الاسرائيلية وبدآ بنقاش الموضوع.
واستعرض فياض الية التقاص الحالية، الذي يعتريها خلل يؤدي الى فقدان الكثير من العائدات الضريبية التي تدفع مسبقا من قبل المواطن الفسطيني على شكل اضافة على سعر السلعة، وما تم في التفاهمات الجديدة لمعالجة هذا الخلل.
وقال: خسارة الضرائب لها مظاهر مختلفة وقنوات متعددة، ولتقريب المفهوم اكثر، علينا التفكير بأن كل ما تجبيه اسرائيل يذهب الى خزينة واحدة (الخزينة الاسرائيلية)، سواء ما يعود لها او ما تجبيه نيابة عن السلطة الوطنية، ولنا حصة في هذه الايرادات غير معرفة الا ما نستطيع اثباته من خلال فواتير نحصل عليها من التجار، وعلى اساس هذه الفواتير التي نقدمها في نهاية كل شهر تتحدد مستحقاتنا، وان لم نبرز الفاتورة، فان قيمة الضريبة عليها تضيع علينا.
واضاف: ايضا هناك ضرائب تضيع بقنوات اخرى، فعلى سبيل المثال، فالبضاعة التي تستورد الى الاراضي الفلسطينية من الخارج، فان الجانب الاسرائيلي يتساهل في تقدير قيمتها لاغراض ضريبية طالما انها ذاهبة للسلطة الوطنية، ويتم قبول فواتير تقل عن القيمة الحقيقية للبضاعة، اضافة الى اوجه قصور اخرى مختلفة ادت في واقع الامر الى ان السلطة لا تحصل كل الضرائيب المدفوعة اصلا من المواطن الفلسطيني، وموجودة في سعر السلعة للمستهلك النهائي.
وتابع: هذا هو جوهر التفاهمات، حيث عالجت المشكلة من حيث المفهوم، والنقطة المركزية في هذه التفاهمات هي ان تحديد مستحقات السلطة لم يعد قائما على اساس ما تنتهي اليه الامور في نهاية الفترة المحاسبية من خلال فاتورة تقدم، وانما تحدد عند واقعة البيع من التاجر الاسرائيلي الى التاجر الفلسطيني، حيث باتت مستحقات السلطة تسجل في لحظة البيع، وفي هذا تقدم كبير.
واوضح فياض ان التفاهمات الجديدة لا تعني توقف السلطة عن جمع فواتير المقاصة، “لكن ستكون هذه الفواتير اداة تدقيق اكثر منها اساس تحصيل، وعندما تكون واقعة البيع هي اساس الاستحقاق فهذا بحد ذاته كفيل بحل كل المشاكل القائمة، خلافا للوضع الحالي حيث تضيع الضريبة اذا لم نبرز الفواتير، وحتى لو ابرزنا الفاتورة بعد ستة اشهر ولو بيوم واحد فان قيمتها تضيع، وهذا يشمل كل المشتريات من اسرائيل، بما فيها لقطاع غزة، هذا هو جوهر التفاهمات التي تمت”.
منطقة تخلي
جمركي فلسطينية
كذلك، قال فياض ان التفاهمات الجديدة “تضمنت امرا ايجابيا في غاية الاهمية، وهي اقامة منطقة جمركية فلسطينية داخل الاراضي الفلسطينية”.
وقال: كما اشرت، فان البضاعة الواردة الى الاراضي الفلسطينية لا يتم التدقيق في قيمتها الحقيقية، ما يضيع علينا الكثير من الضرائب المدفوعة اصلا من المواطن الفلسطيني . عرضنا عدة بدائل منها تواجد فلسطيني في الموانئ والمعابر الاسرائيلية، بواسطة موظفين فلسطينيين او شركة خاصة، واتفقنا في النهاية على ان يكون لنا منطقة تخليص جمركي فلسطينية “بوندد” في الاراضي الفلسطينية، تاتي البضاعة الواردة الى الاراضي الفلسطينية اليها من الموانئ الاسرائيلية بشل مباشر وفوري، ويتم التخليص عليها في المنطقة الفلسطينية، وهذا انجاز في غاية الاهمية.
وردا على سؤال بشان تذمر التجار من استبقاء بضائعهم في الموانئ الاسرائيلية لفترات طويلة مقابل بدل ارضيات يدفعها الى الجانب الاسرائيلي، وامكانية ان تنسحب هذه المعاناة على “البوندد” الفلسطيني، قال فياض “بالعكس تماما. انظروا كم تبقى البضائع الواردة الى غزة في الموانئ الاسرائيلية، بحكم اجراءات التعسف الاسرائيلية، وكم يدفع تجار غزة بدل ارضيات، هذا لن يحدث في منطقة التخليص الفلسطينية، التي سنعمل على تطويرها لتصبح بمثابة ميناء تقريبا”.
وعن مكان منطقة التخليص الجمركي المزمع اقامتها، قال فياض ان “تحديد مكان اقامة هذه المنطقة هو قرار فلسطيني، وهناك بحث جدي في الموضوع، من حيث المكان والتجهيز والادارة”.
وكرر رئيس الوزراء القول بان “هذه التفاهمات لم تأت بسهولة، وانما تأخرت اكثر من عام على بدء الطواقم الفنية بالعمل، والسبب في التأخر هو المماطلة والتمنع الاسرائيلي، الى ان جاء اجتماع لجنة تنسيق المساعدات الدولية في بروكسل في نيسان الماضي، وقلنا حينها اننا لن نذهب الى الاجتماع ما لم تحل قضية المستحقات الضريبية، فقامت الدنيا ولم تقعد وتدخلت اللجنة وجرت عدة اتصالات، وهذا الموقف شكل ضغطا اضافيا على اسرائيل وساعد في حسم الموضوع، وبعد ذلك بشهرين تم انجازه”.
واكد فياض انه لن يحجم عن اي لقاء مع الجانب الاسرائيلي من شانه تحقيق مصلحة فلسطينية كاستعادة الضرائب.
وقال “الاتصالات التي تحدث، بما شمل التفاهمات بشان موضوع الضرائب، ليس لها طابع سياسي اطلاقا، وان التوافق بشانها تحديدا لا يعني بالمطلق اننا نسير باتجاه ما يسمى بالسلام الاقتصادي، فهذا الموضوع نطالب به ونعمل عليه منذ اكثر من عشر سنوات. هذه هي قصة التفاهمات الجديدة، ولا علاقة لها بسلام اقتصادي ولا غيره، والان ياتي من يشكك في هذا الانجاز الذي تحقق، لكن كم من منطق فيه الحقيقية تقلب”.
واعتبر رئيس الوزراء ان “الجهد الذي افضى الى هذه التفاهمات هو واجب وطني، فهذه ضرائب مدفوعة اصلا من المواطن الفلسطيني المغلوب على امره.
وقال: اعلم انه في المناخ السياسي السائد، فان اي اجتماع مع السلطات الاسرائيلية، وحتى اي اتصال هاتفي، فهو مكلف، ومع ذلك فان الاحجام عن هكذا لقاءات تقود الى هكذا نتائج تقاعسا وطنيا كبيرا.
وتساءل: ما المنطق، تحت عنوان الطهارة، بان نحجم عن لقاء الجانب الاسرائيلي لاسترداد مستحقات ضريبية مدفوعة اصلا من المواطن الفلسطيني، وان نقبل بان نكون اكبر مانح لاسرائيل بعد الولايات المتحدة؟ هذا ما قمنا به، وما نعتقد انه واجب وطني، وهي ليست كما يقال مفاوضات موازية ولا علاقة لها بالوضع السياسي.
لكن فياض رفض اعطاء اية تقديرات للزيادة في عائدات الخزينة الفلسطينية نتيجة تطبيق التفاهمات الجديدة حول المقاصة مع اسرائيل.
وقال: هناك الكثير ممن يتحدثون في هذا الموضوع، وانا اتابع ذلك، ولم ادل باي تصريح حول مقدار الزيادة في الايرادات جراء تطبيق هذه التفاهمات، ولن اغير ذلك، وكل ما اقوله انه اذا كان سنتا او مليار دولار فهذا حقنا ونريده . المهم مبدأ اصلاح الخلل والآلية، ولننتظر ونرى ما قد ياتينا، واذا راينا ان هناك جهدا اخر مطلوبا غدا او في اي يوم من شأنه اعادة حقوقنا، فسنقوم به ولن نتأخر.
واعلن ان تطبيق هذه التفاهمات سيبدا في مطلع العام القادم، “لانها تحتاج الى ترتيبات لوجستية كثيرة”.
ليست تعديلا
لبروتوكول باريس
وشدد فياض على ان التفاهمات الجديدة بشأن المقاصة مع اسرائيل ليست تعديلا لبروتوكول باريس الاقتصادي، الناظم للعلاقة الاقتصادة بين الاراضي الفلسطينية واسرائيل، “وانما اصلاح لخلل مهم في هذا البروتوكول”.
وقال: رغم ان ما يقال عن النجاح في تعديل اتفاق باريس هو جيد على الصعيد الشعبي، الا ان هذا شرف لا استطيع ادعاءه، فما جرى ليس تعديلا لاتفاقية باريس، وكل ما في الأمر اننا اصلحنا خللا مهما فيها اضاع علينا الكثير من المستحقات المالية تاريخيا”.
واضاف: فيما يتعلق بتعديل اتفاق باريس، اعتقد ان هذا الطرح يفتقر الى الواقعية، ولهذا السبب آثرنا اصلاح وجه الخلل المهم هذا على ان نبقى نخطب دون تحقيق نتائج . طرح التعديل ليس واقعيا، فاي تعامل تجاري اخر بيننا وبين اسرائيل مستحيل في ظل احتلال وسيطرة اسرائيل على نقاط العبور والموانئ . فهل تسمح لنا اسرائيل بالتواجد في ميناء اشدود او حيفا؟ وهل لدينا ممر آمن مع قطاع غزة وهناك ميناء في غزة ولم نستعمله؟ الاجابة لا، ولهذا فان ما يتم الحديث عنه مجرد موقف خطابي لا اكثر، وما هو امامنا هو اصلاح ما يمكن اصلاحه، وهذا ما حدث فعلا.
ودعا فياض الى عدم تحميل التفاهمات الجديدة مع اسرائيل اكثر مما تحتمل، مؤكدا “انا لست مع توصيف هذه التفاهمات بأكثر مما تحتمل، لا سلبا، وهي خالية تماما من اية سلبيات، ولا ايجابا، رغم تفهمي للتشكيك في هذه التفاهمات، كما هو الحال في كل شيء في ظل المناخ السياسي السائد”.