البنك الدولي: خفض العجز في موازنة السلطة يتطلب خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات المحلية
كتب عبد الرؤوف ارناؤوط:
اكد البنك الدولي على ان” تأسيسُ دولة فلسطينية وإنهاء العديد من القيود المفروضة لا بدّ لهما من أنْ يوفّرا دعماً كبيراً للاقتصاد وأنّ يؤدّيا إلى زيادة الإيرادات الضريبية. ولكنْ، حتى بعد تأسيس الدولة، فإنّ من غير المُحتمل أن يكون الوعاء الضريبي الفلسطيني قادراً على دعم البنية الحالية للحكومة”.
واشار الى ان” تخفيضُ العجز سوف يتطلب من السّلطة الفلسطينية خفضَ الإنفاق وزيادة الإيرادات المحلية”وقال” فالحصة الكُبرى من الإنفاق تذهب إلى الأجور والرواتب، وهذا هو المجال الذي تستطيع السّلطة الفلسطينية توجيه جهودها إليه ليعود عليها بالنّفع الأكبر. لقد أدركت حكومة تصريف الأعمال أهمية السيطرة على كشف الأجور، ودعت خطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية إلى وضع قيود على التوظيف وتجميد زيادة الرواتب. ولم تكن السّلطة الفلسطينية قادرةً على الوفاء بالتزاماتها بمقتضى خطة الإصلاح والتنمية الفلسطينية. فعلى سبيل المثال، استمرت السلطة في زيادة الرواتب بصورة دورية، مع أنها كانت زيادات صغيرة. غير أنّ السلطة الفلسطينية نجحت في خفض معدل النّمو في الأجور، وانخفض كشف الأجور من حوالي 26 % من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2006 إلى ما دون 22 %بقليل في عام 2010″.
واضاف” ولكي تمضي السلطةُ الفلسطينيةُ قُدُماً، فإنّها تحتاجُ إلى استحداث إصلاح شامل في نظام الخدمة المدنية، من شأنه أنْ يُحوّل الموارد إلى المشاريع الاستثمارية. فمن غير المُرجّح أنْ تكون السلطة الفلسطينية قادرةً على فصل العاملين لديها إلا بعد أنْ يتعافى النمو الاقتصادي، وإلى أن يكون القطاعُ الخاص قادراً على استيعابهم. لكنّ السلطة الفلسطينية تستطيع الاستعداد للمستقبل عن طريق تنفيذ عدد من الخطوات، مثل تحديد التوصيفات الوظيفية لجميع المناصب لدى السّلطة الفلسطينية، والتعريف بمفهوم إدارة المناصب، وإصلاح نظام إدارة الأداء، وإدخال مدونة قواعد السلوك إلى نظام الخدمة المدنية”.
واشار البنك الدولي الى ان “نظام التقاعد العام هو أحد أكبر التزامات السّلطة الفلسطينية وهو نظامٌ مُعْسر. وهو يُشغّلُ عملياً كنظام لمعاشات التقاعد غير المُمَوّل، حيث وُمتّل المُساهمات الحالية كُلفة المُتقاعدين بدلاً من زيادتها من أجل دعم المُستفيدين من النظام مُستقبلاً”.
وقال” ونظراً لتاريخ هذا النظام الفريد من نوعه، تُوجَدُ أربعةُ صناديق لمعاشات التقاعد عاملة في الضفة الغربية وقطاع غزة، الثلاثة صناديق الأقدم منها هي في طور الانتهاء التدريجي. ويُساهم السواد الأعظم من المُوظّفين في كلّ من الضفة الغربية وقطاع غزة في النظام الجديد. وحتى هذا النظام الجديد، فإنّه غير مُموّل بطريقة ملائمة. وتُحَدّدُ التقديرات الأولية لقيمة المُتأخّرات المُتراكمة لهذا الصندوق بين ( 1,5) مليار و 2 ملياري دولار أميركي، وهي تتزايد بحوالي 70 مليون دولار أمريكي في السنة”.
واضاف” وبُظهر التحليل أيضاً أنّ العبء الذي يتركه نظام التقاعد لدى السّلطة الفلسطينية على المالية العامة سوف يزداد بمعدل متزايد مع تقدّم السّكان في العمر. لقد أدركت السّلطة الفلسطينية الحاجة إلى إصلاح نظام التقاعد لديها، ففي تموز 2010 ، أقرّت السُّلطة الفلسطينية رسمياً خُطّةً تُلزمها بتحسين أنظمة التقاعد الإدارية، وتنفيذ عددٍ من التغييرات البارامترية (المعيارية) لتخفيض التكاليف ولدراسة طرق تحسين قابلية نظام التقاعد العام للبقاء على المدى البعيد. غَيْرَ أنّ الإصلاحات سارت بوتيرة بطيئة، ومن الضروري أن تتحرّك السلطة الفلسطينية للتعامل مع نظام التقاعد قبل أن يبدأ الموظّفون الذين هم على رأس العمل حالياً بالتقاعد وينزلق النظام في أزمة”.
ويشير تقرير البنك الدولي الى ان السّلطة الفلسطينية أصبحت ، منذ تأسيسها، تعتمد اعتماداً متزايداً على المساعدات من الجهات المانحة لتمويل مصروفاتها التشغيلية الأساسية. وكان قد توافر في الموازنة الدورية للسّلطة الفلسطينية، عام 1999 ، فائضٌ قليل، وجرى توجيه جميع المساعدات الواردة من الجهات المانحة نحو المشاريع التنموية.
وفي عام 2002 ، عندما كانت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في ذروتها، كان الدعم الخارجي للموازنة ما يزال أقل من 500 مليون دولار أميركي. وعلى أية حال، ومنذ ذلك الحين، فإنّ حاجة السّلطة الفلسطينية إلى دعم الموازنة قد ازدادت باطّراد على الرغم من تحسّن الوضع الأمني واستئناف النّمو بوتيرة محدودة. وقد ازداد دعم الموازنة، بحلول عام 2008 ، ليصل إلى ( 1,8 ) مليار دولار أمريكي تقريباً أو إلى حوالي 29 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي
وقال البنك الدولي” ومع أنّ هذه المُساعدات قد انخفضت منذ ذلك الحين، إلا أنّها كانت، في عام2010 ، ما تزال حوالي ( 1,15 ) مليار دولار أميركي. ولكن حتى هذا المبلغ الكبير لم يُغطِّ كامل العجز الدوري (المتكرر)، مما أجبر السلطة الفلسطينية على الاقتراض من القطاع المصرفي المحلي، وعلى مراكمة المتأخرات. إنّ الحصةَ الكبرى من الإنفاق الحكومي تُخصّصُ للأجور والرواتب، وقد بلغت هذه الحصةُ حوالي ( 1,6 ) مليار دولار أميركي في عام 2010 . وهذا المبلغ يفوق إجمالي توقعات الدعم الذي يُقدّم للموازنة، وهو يساوي نسبة 21 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المُقدّر. غير أنّ هذا المبلغ يقدّر كلفة كشف الرواتب بما هو أقل من كلفته الحقيقية”.
واضاف”وكانت دفعات التحويلات، التي تتضمّن مبلغاً كبيراً من دفعات صندوق التقاعد، تشكّل مبلغاً آخر من الموازنة يقدّر بحوالي 700 مليون دولار أميركي. كذلك فقد شكّلت الأجور، والرواتب والتحويلات معاً ثلاثة أرباع الموازنة الدورية للسلطة الفلسطينية في عام 2010″.
واضاف”أما الدعومات الحكومية للمرافق العامة فقد بلغت هي الأخرى نسبة 8 % من الموازنة الدورية، تاركةً حوالي 17 % فقط من الموازنة كلها لتغطية النفقات التشغيلية والرأسمالية الصغيرة”.
واشار البنك الدولي الى انه “بما أنّ الموازنة الدورية تستنفِدُ تقريباً معظم الإيرادات المحلية، فإنّ السلطة الفلسطينية لديها موارد قليلة تُخصّصها للأغراض التنموية على المدى البعيد، ولا بُدّ لها من الاعتماد على التمويل من الجهات المانحة. وتضعُ السّلطة الفلسطينية أهدافاً طموحة للإنفاق التنموي أملاً في جذب المعونات. فعلى سبيل المثال، طالبت الموازنة، في عام 2010 ، بحوالي 700 مليون دولار أميركي في مجال الإنفاق التنموي. ولكن الجهات المانحة دعمتها بمبلغ 130 مليون دولار أميركي فقط، وموّلت السّلطة الفلسطينية بنفسها موازنتها بمبلغ 170 مليون دولار أميركي، والجزء الكبير من هذا المبلغ جرى تمويله عن طريق المُتأخرات والاقتراض المحلي. ومع تفاقم أزمة المالية العامة للسّلطة الفلسطينية، فإنّ المحافظة حتى على هذا المستوى المُنخفض من الإنفاق التنموي أمرٌ بعيد عن الاحتمال”.
وذكر ان “السلطة الفلسطينية اجبرت على زيادة حجم الاقتراض زيادة ملحوظة وعلى تكبُّد مبالغ كبيرة من المُتأخّرات؛ لأنّ عجز الموازنة الدورية للسّلطة الفلسطينية قد تجاوز المستويات السّخية للدعم الذي يُقَدّم للموازنة. وبما أنّ السّلطة الفلسطينية لا تتوافر لها إمكانية النّفاذ إلى الأسواق المالية الدولية، فإنّها تضطر إلى الاعتماد على البنوك المحلية من أجل الحصول على ائتمانات/قروض قصيرة الأجل. فمع حلول نهاية عام 2010 ، بلغ مقدار الديون التي تحمّلتها السّلطة الفلسطينية للبنوك المحلية 840 مليون دولار أميركي تقريباً، كان مُعظمها على شكل قروض قصيرة الأجل وسحوبات على المكشوف. وبأخذ القيود المفروضة على النظام المصرفي بعين الاعتبار، فإنّ السلطة الفلسطينية لن يكون لديها، في القريب العاجل، مُتّسع لتمويل العجز لديها عن طريق أخذ قروض قصيرة الأجل من البنوك”.
وقال” وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ السلطة الفلسطينية، مدينة بمئات الملايين من الدولارات، على شكل متأخّرات في السداد، معظمها لصندوق التقاعد، وليس لها أثرٌ مباشر على النمو الاقتصادي. ولكن ثمة جزءاً من هذه المتأخرات يزداد باستمرار وهو مُستَحقٌّ للقطاع الخاص. فمتأخّراتُ السداد من جانب السّلطة الفلسطينية تزيد تكلفة الأعمال، لا بل إنها تُلحق الضرر أيضاً بثقة القطاع الخاص في الحكومة، مع أنّ القطاع الخاص هو الذي يمول السّلطة الفلسطينية أساساً. وبما أنّ الإنفاق الحكومي ومصروفات موظفي الحكومة كانت وما تزال المُحرّكات المُهمة لعملية النّمو، فإنّ الافتقار إلى الثقة في قدرة الحكومة على الاستمرار في الإنفاق كُمين أن يكون له تداعيات خطيرة على ثقة المُستثمرِ وعلى النمو الاقتصادي”.
واكد البنك الدولي على ان النمو في المُستقبل سوف يتأثّر بقدرة السّلطة الفلسطينية على تخفيض العجز الدوري وإعادة توجيه الموارد نحو الاستثمارات. وتحقيقاً لهذه الغاية، تبذل السّلطة الفلسطينية جُهداً مُنسّقاً لحشد الإيرادات الضريبية المحلية، بما في ذلك زيادة النطاق الذي تغطيه الضريبة على العقارات، وتأسيس وحدة لكبار المُكلّفين )كبار دافعي الضريبة( في وزارة المالية، وزيادة الجهود لتحصيل ضريبة القيمة”.
وقال”وقد غطّى إجمالي الإيرادات المحلية للسّلطة الفلسطينية، في عام 2009 ، حوالي نسبة 50 %فقط من المصروفات المُتكرّرة. لكنّ السلطة الفلسطينية كثّفت جهودها، في عام 2010 ، بغية زيادة الإيرادات المحلية والسيطرة على الإنفاق حتى أصبحت الإيرادات المحلية تبلغ أكثر من 63% من المصروفات. فقد بلغ إجمالي الإيرادات المحلية حوالي 27% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا لا يختلف كثيراً عن الدول المجاورة. ففي عام 2009 ، بلغ مجموع الإيرادات الحكومية في الأردن ومصر 23,3 % و 27 %من الناتج المحلي الإجمالي، على التوالي. ويأتي ما يقارب 70 % من إيرادات السّلطة الفلسطينية من الضرائب التي تحصّلها الحكومة الإسرائيلية وتُحوّلها إلى السلطة الفلسطينية، كضريبة القيمة المضافة وكرُسوم الاستيراد مثلاً. فليس لدى السّلطة الفلسطينية أيّة سيطرة على هذه الأموال، ولا تملك إلا القليل من المقدرة على زيادتها. بيد أنّ إيرادات الضريبة المحلية قفزت تقريباً إلى50 في المئة في الأماكن التي تُسيطر عليها السلطة الفلسطينية في الفترة ما بين عامي 2009 و2010″.
واضاف” وسوف يكون لزاماً على السلطة الفلسطينية مواصلة جهودها لزيادة الإيرادات المحلية في السنوات المُقبِلة، لكنّ المُشكلة تكمن في مقدار الزيادة التي يمكنها توقُعها، آخذين بعين الاعتبار المستوى الكبير بالفعل للتحصيلات الدورية (مقارنة بغيرها من دول المنطقة)والمستوى المُنخفض للنشاط الاقتصادي”.